لقد أثبت علماء التربية بأن مرحلة ما قبل سن 7 سنوات هي التي تتشكل فيها صفات الإنسان، وتنعكس على سلوكه بمراحل عمره اللاَّحقة، وما يتحصل عليه بعد ذلك من عادات في الحياة اليومية ما هي إلا اكتساباً قد يسهم في تعديل سلوكه مع بقاء العادات الأصلية التي فطر عليها قبل سن السابعة، والتي تستنهض كلما توفرت مثيراتها. من ذلك مثلاً يتحدد في هذه المرحلة من عمر الطفل ما إذا ما كان سلوكه سوف يكون منغلقاً عنيفاً، أو محاوراً مسالماً.
وقد أولى الدين الإسلامي اهتماماً كبيراً بتربية النشء، على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية، حتى يكون الإنسان مستقيماً صالحاً لأسرته ومجتمعه. قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ﴾، {لقمان: 17}.
والعنف يعرف بأنه ” تعبيراً صارماً عن القوة التي تمارس لإجبار الفرد أو الجماعة على القيام بعمل أو أعمال محددة يريدها فرد أو جماعة أخرى، ويعبر العنف عن القوة الظاهرة حيث تتخذ أسلوباً فيزيقياً ( مادياً ) مثل الضرب، أو يأخذ صورة أخرى تمثل الضغط الاجتماعي”.
ومن جانبي أضيف على هذا التعريف، بأن العنف يعني السلوك الذي يلحق الأذى بالآخرين أو ممتلكاتهم أو العبث بالمؤسسات العامة. ولا وجود لأي دليل علمي يثبت خرافة: (هذا شعب أصيل وذاك غير أصيل)، لأن الأصالة تكون في التربية، وهي نسبية حتى في أحسن الظروف. وتستمد مشروعية العنف من اعتراف المجتمع به، كالمستخدم ضد النساء.
وما نلاحظه اليوم من ممارسة العنف أو التحريض عليه من قبل بعض الناس، ما هو إلا انعكاساً لتربيتهم القاسية التي تعرضوا لها ما قبل سن 7 سنوات، والدليل قد يوجد من يحمل شهادة دكتوراه، ويحرض على العنف أو يقوم به، على الرغم من أنه على درجة عالية من العلم والمعرفة، ومع ذلك لم يتأثر بعلمه وبقى رغم طول السنين متأثراً بتربيته الأولى، وهؤلاء تجدهم في الغالب يمارسون العنف حتى مع أسرهم، وفي الغالب يتلذذون باشباع رغبة العنف، من خلال ما توفره لهم مجموعات الكرامة القبلية التي تتوارى تحت المسمى الجيش!!
وقد اهتمت الدول المتقدمة بالتربية المبكرة، حيث هيئت كل السبل التي تساعد على توفير رعاية كافية للأطفال وخصوصاً سن الحضانة، ورياض الأطفال. فقد بلغت المصروفات على الطفل الواحد في مرحلة الحضانة بفرنسا مثلاً، ما يعادل 25 ألف دينار سنوياً، توفر من خلال هذا المبلغ كل المستلزمات المطلوبة للتربية العصرية، أضف إلى ذلك اهتمام الدول ببرامج التوعية الأسرية التي تتابعهم حتى في بيوتهم.
وهذا الاهتمام يعكس رغبة هذه الدول في الإشراف التربوي المباشر على الأطفال منذ سن مبكرة عن طريق كوادرها التربوية المدربة. أما عن رعاية الطفل في ليبيا فاترك لكم التعليق.
مع ملاحظة أن ظاهرة استخدام السلاح في ليبيا سوف يكون لها تأثيراً سلبياً على تربية أطفال اليوم، لأنهم ينتبهون لهذه الظاهرة، فيحاكونها من خلال اختيار ألعابهم البلاستيكية، وهؤلاء سوف يحملون السلاح عندما يكونوا قادرين على حمله، وهو ما يعد مؤشراً خطيراً تظهر انعكاساته السلبية لاحقاً، حيث سترتفع وثيرة انتشار سلوك العنف داخل المجتمع الليبي، ويزداد معدل الجريمة في البلاد.
ومما زاد الأمر تعقيداً، الاعلام غير المهني الليبي والمتمثل في القنوات التلفزيونية، التي تبث ـ بغير قصد ـ كل مشاهد العنف والقتل واستعمال السلاح على شاشاتها، دون مراعاة لأدنى قيود المهنة، عندما تعرض هذه المشاهد المؤسفة، لابل تستضيف (مثقفين) يحرضون على ممارسة العنف ويستخدمون لغة التهديد والوعيد في خطاباتهم.
وعليه فإن هذه القنوات تعمل على ربط الصورة البشعة باللغة الخشبية، فتكتمل الرسالة السيئة لتصل إلى المتلقي مشوهة الدلالة، فيتشبع بمفرداتها أطفالنا في وقت مبكر، مما يؤثر في سلوكهم مستقبلاً. وبهذا يفرضون على المجتمع أسلوباً تربوياً عنيفاً غير مرغوب، فيه، فتهدد أمنه.