الرئيسية مقالات نقاب المعلمات من المنظور التربوي التعليمي

نقاب المعلمات من المنظور التربوي التعليمي

الأثنين 25 فبراير 2019 - 2:33 م

بقلم/ د. فرج دردور

مقدمة:ـ
وقوفا عند رغبة بعض السادة المعلمين حول معرفة رأي في نقاب المعلمات، أدلي بوجهة نظري المتواضعة، ولا ادعي الكمال أو أنني من يمتلك الحقيقة الكاملة، وأنا على ثقة بوجود من يفيدنا برأي صائب، لربما أفضل مما سأقدمه، ومع هذا فإن تعدد الآراء في ظاهرة معينة وإثراء النقاش حولها، قد يساعد على تجنب أثارها.

فمن ضمن الأسباب التي تجعل الطالب متمرداً على المعلم هو عدم قدرة هذا الأخير على إنشاء علاقة تواصل كافية بينه وبين المتعلمين، وهو ما يحاول علماء التربية العمل على تطوير أدواته كي تصبح البيئة التعليمية داخل الفصل الدراسي ملائمة لتحقيق أهداف التعليم. ولا يكون هذا إلا بعد تدريب المعلم تدريباً جيداً على الأساليب والطرائق التي تضمن له تحقيق التواصل المباشر مع المتعلمين، اعتماداً على السبل التي يمكنها أن تنقل الرسالة بشكل أفضل بين المرسل والمتلقي، والعكس في حالة من التفاعل المستمر، ينتج عنه علاقة تعاون شبيه بالذي يحدث في المجتمع الخارجي عندما يكون في وضعه السليم. حيث تمارس داخل الفصل كل الأنشطة التي تصهر عناصر العملية التعليمية في بوتقة واحدة، نحصل من نضوجها على مخرجات تعليمية قادرة بعد دخولها معترك الحياة، أن تساهم في نهضة مجتمعها.

من أجل تعليم يواكب العصر: ـ

وقد أدركت الدول المتقدمة أهمية هذا التواصل في نجاح العملية التعليمية، فعملت على إدخال تقنية المعلومات في تطوير عملية التواصل بين المعلم والمتعلمين. فقامت بتنفيذ مشاريع كبرى في مجال تكنولوجيا المعلومات للاستثمار في التعليم، من خلال المبدأ المطبق “التدريب من أجل الحياة” هذا المبدأ حددته اللجنة الدولية المعنية بالتربية في القرن الحادي والعشرين. فهو يتناول علاقة الإنسان مع نفسه ومحيطه وذلك على النحو التالي: الإنسان يتكون، كيف يتم تكوينه، كيف هو، كيف يعيش مع الآخرين، كيف سيتم ذلك. مثل هذا المشروع يتطلب التدريب المستمر للمعلمين.

وإذا فهمنا ما يعنيه هذا المبدأ الدولي المعتمد على دراسات علمية مجربة غير قابلة للطعن، وأضفنا عليها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يحثنا على طلب العلم ولو كان في الصين الملحدة. نستطيع أن نفهم أن مكانة العلم والعلماء كبيرة عند الله. حيث قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (28)، فاطر. وقال تعالى أيضاً: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) المجادلة. ولم يخص الله تعالى علماء الدين بهذا التقدير، وإنما كل من يحمل علم ينفع به الإنسانية.

ومثلما يستمع علماء التخصصات الأخرى إلى علماء الدين ولا يجادلونهم في فقههم أو ينحازوا للاختلافات بينهم. يجب على علماء الدين أيضاً، ألا يخوضوا فيما ليس لهم به علم.

وعليه فإن العلاقة بين الطالب والمعلمة داخل الفصل هي علاقة ابوية مبنية على الاحترام المتبادل، تدعمها الألفة والثقة بين جميع العناصر المتفاعلة داخل الفصل. وليست علاقة شهوانية كما يفترضها البعض، وإذا حدث ما يخالف هذه القاعدة التي تدرب عليها المعلمون، فهو من باب الشواذ، والشاذ لا يقاس عليه على رأي علماء الفقه، ثم إن المرأة تصلي وتحج وتطوف حول الكعبة دون خمار، فكيف يوصي به في المدارس، ويمنع في أطهر بقعة على وجه الأرض!!. وقد تحدث بإسهاب عن العلاقة السليمة بين المعلم والمتعلم في منشوراتي عن الصفات الشخصية والمقومات المهنية للمعلم.

الرأي التربوي في ارتداء النقاب:ـ

نقاب المعلمات يتعارض مع أساليب التواصل الذي تحدثنا عنه فيما سبق. فكيف يكون هناك اتصال بين المعلمة والتلميذ، إذا لم يكن هناك شعور بالراحة والألفة على أقل تقدير من خلال التبسم في وجه الآخر، وخاصة من قبل المعلمة تجاه التلميذ؟ فعادة ما يتوجس التلميذ من أسلوب المعلمة في أول يوم يذهب فيه للمدرسة، وكيف سيكون حال هؤلاء التلاميذ عندما تواجههم معلمة منقبة؟ ناهيك عن تعذر تعلم النطق السليم بلغة القرآن، عندما تكون مخارج الأصوات عند المعلمة محجوبة..!!!

ومن جهة أخرى فإن نقاب المعلمة يشكل عائقاً كبيراً أمام حدوث اتصال فعال ومؤثر مع الآخرين، لأن المعلمة المنقبة تواجه صعوبة في توصيل الإيماءات وحركات الجسد، وتعابير الوجه بشكل صحيح، فالابتسامة محجوبة ولغة العين محجوبة، وقراءة مخارج الأصوات وتقاسيم الوجه مثل الفرح والحزن والسخرية أو الارتياح والإشراق غير مجسدة وواضحة. وهذا لا يساعد على توصيل رسالتها بشكل جيد للمتعلم، لا بل تجعله يضجر ويصاب بالملل نتيجة عدم تنوع اساليب التواصل التي يحتاجها التفاعل الإيجابي بين المعلمة والمتعلم.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد أبعدت سوريا 1200 معلمة منقبة من قطاع التعليم لعدم تقيدهن بقرار وزارة التعليم بمنع النقاب في المدارس. كما أصدرت وزارة التعليم الفلبينية قراراً يجبر المعلمات المنقبات على خلع نقابهن داخل الفصول الدراسية. ومازال الجدل قائماً في اليمن بين من يرفض ارتداء النقاب في المدارس ومن يؤيده. هذا الجدل لا شك أنه أعاق سير العملية التعليمية في اليمن، بعد أن صار بعض المتطرفين يدخلون في مواجهة مع مسؤولي التعليم.

وعلى الرغم من أنني على علم ببعض التدخلات المختلفة من بعض الجماعات لفرض رؤيتها على مدخلات التعليم، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً يقلل من أداء مسؤولي التعليم، إلا أن هذا لا يعفي سيادة الوزير ووكلائه من مقاومة هذه التدخلات، والسماح بعلاقة متوازنة بين خبراء التعليم وبعض علماء الدين، فيما يتعلق بتدريس مادة التربية الإسلامية، مع الاحتفاظ بحق الخبراء في أخذ ما يمكن أخذه ورد ما يتعارض وظروف قطاع التعليم من حيث الوعاء الزمني وتوافق مواد التربية الإسلامية مع عمر المتعلم، وعن حاجته للمواضيع التي تتفق وتوجهات المجتمع، مع الأخذ في الاعتبار إذا ما كان رأي الشيوخ، يتسق مع سياسة الاعتدال بين الآراء الفقهية، أو أنه يدعو إلى توجه لا يتفق عليه أغلب الفقهاء. فقطاع التعليم ليس فيه مجال لتمرير إيديولوجيات معينة، وإنما هو يلبي حاجة الدولة لتنفيذ سياسة تضمن الوحدة الوطنية والاستقرار المجتمعي، إضافة إلى تكوين الإنسان المهني المتخصص.

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.