تستمر الأزمة الليبية دون أفق واضح للحل على الرغم من كل الظروف المحلية الضاغطة التي تؤثر على كل الليبيين. أجواء الانقسام لاتزال هي السائدة والتصارع بين المؤسسات المنقسمة أصبح خبر يومياً مملاً لم يعد يلفت انتباه المواطن الليبي. أما المجتمع الدولي فهو يبدو في مرحلة مخاض غير واضحة المعالم في ظل ادارة أمريكية تبدو مصممة على تغيير التحالفات في العالم سواء في ما يخص النزاع الروسي الأوكراني أو محاولة حل القضية الفلسطينية على حساب المنطقة. لا يبدو ان هناك استعجال للدفع لحل الأزمة الليبية في خضم ما يجري من أحداث كبرى في العالم أما بالنسبة للليبيين فانهاء الانسداد السياسي هو الفيصل لضمان أمن بلادنا وسلامة شعبنا.
ما يجري في ليبيا يبدو بالنسبة للكثير من الليبيين أنه تكرار لسنين من اضاعة الوقت. على الصعيد السياسي، اجتمع مؤخراً مجموعة من أعضاء المجلس النيابي ومجلس الدولة في القاهرة لمناقشة الأوضاع في ليبيا وتم الاتفاق على ضرورة إبقاء العملية السياسية بيد «المؤسسات الرسمية»، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية. كما اجرى المجتمعون مشاورات حول مختلف القضايا للدفع بالعملية السياسية نحو حل شامل ينهي حالة الانقسام ويحقق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. يأتي ذلك مع استمرار البرود تجاه تشكيل اللجنة الاستشارية التابعة للأمم المتحدة والتي تسعى لتقديم مقتراحات لحل القضايا الخلافية العالقة من أجل تمكين إجراء الانتخابات واطلاق حوار داخلي لحل النزاعات الداخلية. هذه التحركات السياسية لم يشعر بها المواطن العادي الذي يعاني الأمرّين بسبب انتشار الجريمة أو نشوب نزاع مسلح بين القوى المسلحة أو من أحوال المعيشة اليومية الضاغصة.
المشكلة في الواقع الراهن الليبي أن بقاء الحال على ما هو عليه لا يبقي الأوضاع على حالها بل يزيدها سوء وهناك مؤشرات كثيرة على خطورة المرحلة التي نعيشها اليوم ولاسيما من الناحية الأمنية. ففي الشهر الجاري تعرض وزير الدولة لشؤون الوزراء في حكومة عبدالحميد الدبيبة لمحاولة اغتيال فاشلة نقل على اثرها إلى المستشفى. أعلن النائب العام الصديق الصور عن تحديد هوية المشتبه به والذي هو في حالة فرار في تونس. محاولة الاغتيال هذه قد تكون مؤشراً خطيراً لتبعات الانقسام وتأثيره على السلم والامن في البلاد.
الأوضاع السياسية المحتقنة لها أيضاً تأثير على السلم المجتمعي بين فئات المجتمع الليبي. شهدنا مثال حي على ذلك مع الأزمة التي نشأت حول الاعتداء على العلم الأمازيغي خلال الاحتفال بالذكرى الرابعة عشرة لثورة 14 فبراير. الشقاق بين الليبيين هو من أخطر ما قد يحدث في ليبيا ففي ذلك فتنة خطيرة سيكون لها أثر شديد الخطورة على بلادنا.
من ناحية أخرى التقارير التي تتحدث عن توسيع الوجود الروسي في ليبيا ولاسيما في قاعدة معطن السارة الجوية بالقرب من حدود السودان وتشاد تبقي ليبيا في مهب العاصفة الدولية التي تؤدي إلى استمرار الصراع الدولي على أرضنا ويجعلنا رهينة لحسابات الكرملين والاتفاقات الدولية بين الغرب وروسيا. انهاء الصراع الداخلي في ليبيا سيحيد بلادنا عن هذا التجاذب ويساعد ليبيا على حل المشاكل في المنطقة ولاسيما في السودان حيث يؤدي الصراع هناك إلى موجات غير مسبوقة من الهجرة إلى بلادنا مما يزيد الضغط على الخدمات الصحية وغيرها ولاسيما في الكفرة وغيرها من المناطق الليبية.
استمرار الأزمة الليبية بدون أفق لا يبقي الأوضاع على حالها بل يؤدي إلى تقويض ما تبقى من مؤسسات الدولة والمخاطرة بالسلام المجتمعي والأهلي. لذا بالنسبة لنا كليبيين بقاء الحال على حاله ليس خياراً. انهاء الصراع السياسي هو الحل الوحيد
الكاتب : خالد الطرابلسي
