لم أحمل معي إلا بعض الثياب والقليل من الذكريات عندما خرجت مُسرعا من ذلك الحي الذي كانت تفاصيله في كل عيد قريبة جدًا لي.
فيِ مثلِ هَذا الوقتِ منْ كُل عَام كانت تُعلنْ حالةِ النفيِر فَي كَل البيُوت وتُرفع حَالة الإستعداد والتَأهب ويعَلوا الصراخ والتذمَر وهَذا فيْ سَبيل تنظيِف المَنزل من دماء الأضاحي وجعله يكتسى بكل ما هو مهندم أو نظيًف وفي ذات الوقت يُستقبل كل الضيوف الراغبين بتبادل التهاني والسلام وأيضا الوئام بعد أن أعلن الجميع قدوم العيد وَباشرَوا في التقاليَد المٌتعارف عليها منذُ القديم التي تبَدأ بِشراء المَلابس والأضاحي وتنتهِى بالنومِ عَشية العيدِ، ففي شارعنا المتواضع الذي يحيي العيد بكل تفاصيله الدقيقة في كل عام حيث يتعطر الجميع صبيحة العيد ويرتدي أفضل وأنظف الثياب ليذهب إلي المسجد لمتابعة التكبيرات والتهليل عن قرب وبعد صلاة العيد مباشرة يلتقى الجميع بالجميع فمنهم من كان مسافر للعمل أو للدراسة أو حتى للعلاج ويبدأ سلام الخد للخد مع عبارات “كل عام وأنتم بخير وإن شاء الله من العائدون والفائزون” وترفق بضربتين على الكتف بشكل لطيف.
ويخرج الجميع من المسجد إلي ساحة الحي المعتادة لتتجمع الجموع على هيأة حلقات وطوابير منظمة بتلقائية ولا يوجد لها مشرف أو ناظر وتبدأ فاعليات الأضحى ليقوم الحاج “عبدالرحيم العلواني” كعادته السنوية بتقديم الأكلة الشعبية المعروفة “بالمقطع أو العصيدة أو الفتات وخبز الزيت” وشباب المنطقة أيضا يباشرون في توزيع أجود وأفضل أصناف وأنواع التمور والمشروبات والحلويات على المارين وعلى الماكثين عبر وفي هذا الشارع، كون شارعنا يربط سبعة أحياء أخرى ببعض وفي مقدمته مسجد المنطقة ليكون العابرين من مختلف الجنسيات والجاليات العربية وكذلك الإفريقية، وبعد أن يقدم لهم التمر والحلويات يتم معايدتهم وأيضا يأخذون نصيبهم من سلام الخد بلخد وضربتين على الكتف بشكل لطيف، وعلى هامش أفضل تنسيق يتم إتخاذ صور من شأنها إظهار محاسن الحي أمام الأحياء الأخرى عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومن الأشياء الملفتة أيضا هو البحث عن الأشخاص المتخاصمين لفترة طويلة وكذلك العائلات ومحاولة الصلح بينهم وترطيب الأجواء ليعم السلام والحب بين الجميع، ويُمر سكان الحي من الشباب والرجال سيرًا على الأقدام ويتبادلون أطراف الحديث مع المزاح قاصدين كبار السن والعجزاء والمرضى ويعايدونهم كواجب إجتماعي إعتيادي قبل بدأ شعائر العيد الأساسية في دين الإسلام.
وتبدأ شعائر العيد بتجهيز عدة الأضحية والعمل على ذبح الأضحية بالطريقة الشريعة المتعارف عليها وإبعاد الأطفال عن هذا المنظر الدموي قاسى، ومن ثم يتم الشواء وتتوافد الزيارات العادية من النساء على الجيران والأقارب وتبادل أفخاذ وقطع اللحوم بينهم والأولوية دائما للأقارب من الدرجة الأولى والثانية والمحتاجين هم الآخرون، وفي ليلة العيد الأولي يجرى إجتماع كبير بين الأهل والأصدقاء والأقارب على وجبة عشاء في المنزل الكبير الذي يكون واجهة للحي ويكون كبير الغرف في البداية، وهنا فقط يتم تعزيز العلاقات الاجتماعية بجمع اغلب الشباب ورجال الحي في مكان واحد لمناقشة أمور الحي والمنطقة وكيفية تطوير الوضع ويسمع للجميع صوتهم ويحق لكل شخص إبدا رأيه في مسألة معينة، لعل مثل هذه الأمور لا تحدث خلال الأيام العادية ولكن يبقى أثرها كل عام عميق ويتجدد في العام الذي يليه وكل عام وذلك الحي الذي أكن له التقدير والإحترام بخير.