كشفت مصادر مصرية وليبية عن كواليس زيارة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الجارية إلى العاصمة المصرية القاهرة للتباحث مع عدد من كبار المسؤولين في مصر.
تُعدّ هذه الزيارة الثالثة من نوعها لحفتر منذ بدء عمليته العسكرية على العاصمة طرابلس، إذ التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن الرئاسة المصرية لم تعلن عن الزيارة أو اللقاء، في سياسة مغايرة لما حدث في الزيارتين السابقتين.
وقالت مصادر مصرية مطلعة إن حفتر اجتمع خلال اليومين الماضيين مرتين مع السيسي، ومرات عدة مع مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ونجل رئيس الجمهورية ضابط الاستخبارات محمود السيسي، الذي بات يملك نفوذاً كبيراً في الدائرة الخاصة بوالده، فضلاً عن عدد من مسؤولي الاستخبارات الحربية وهيئة أركان الجيش المصري، وعدد من الدبلوماسيين الناشطين في ملف التواصل مع الدول الغربية في الشأن الليبي في غياب وزير الخارجية سامح شكري.
وأضافت المصادر أن الاجتماعات ركّزت على 4 محاور أساسية؛ أولها دراسة تطورات المعارك الميدانية المشتعلة على محاور عدة حول العاصمة طرابلس، وإمداد حفتر بأحدث المعلومات التي توفرت لمصر عن الإمدادات العسكرية التي حصلت عليها قوات حكومة الوفاق أخيراً، وتقديم اقتراحات استراتيجية للتصدي وشنّ الهجمات خلال الشهر الحالي لاستعادة زمام المبادرة، إذ يتمنى السيسي أن يستطيع حفتر تحقيق تقدم كبير على مختلف المحاور قبل مشاركة الرئيس المصري في اجتماعات قمة الدول السبع الكبرى التي ستقام في بياريتز في فرنسا بين 24 و26 أغسطس/ آب الحالي.
”
مصر حصلت على معلومات حول مساعٍ بريطانية لإقناع المشاركين في قمة بياريتز لتبني قرار أممي لوقف إطلاق النار
” وذكرت المصادر أن سبب اهتمام السيسي بتحقيق تقدم ميداني قبل هذه المناسبة هو أن مصر حصلت على معلومات من الخارجيتين الفرنسية والإيطالية، أشارت إلى بذل بريطانيا مساعٍ حثيثة لإقناع الدول السبع لتبني قرار أممي لوقف إطلاق النار في ليبيا عقب قمة بياريتز.
وعلى الرغم من أن روسيا القريبة لحفتر يمكنها إفشال هذه المساعي باستخدام حق النقض، لكن السيسي يفكر في محور آخر هو الدفع نحو إمكانية تأسيس واقع جديد بناء على التفوق العسكري المأمول لحفتر، وضمان استمرار تعامل القوى الكبرى معه بجدية، وهز ثقة داعمي حكومة الوفاق فيها وصولاً إلى هدفه النهائي، الذي يجتمع عليه مع الإمارات والسعودية وفرنسا، المتمثل في قطع الصلة بين حكومة الوفاق والتيارات الإسلامية وقواتها المناهضة لحفتر وللتدخل المصري الإماراتي الساعي إلى عسكرة الدولة الليبية ومنعها من خلق تجربتها الديمقراطية.
أما المحور الثاني لنقاشات حفتر في القاهرة فدار حول المساعدات المصرية العسكرية واللوجستية والغذائية للمليشيات، حين تم الاتفاق على تكثيف إرسال المواد الغذائية والمساعدات الطبية قبل عيد الأضحى (منتصف الشهر الحالي)، وإرسال معدات عسكرية إضافية من مصر ودول أخرى، لم تسمّها المصادر، لكنها أشارت إلى أنها في شرق البحر المتوسط وجنوب أوروبا. وذكرت المصادر أن حفتر شكا من أن قلة المؤونات وزيادة الخسائر المالية تؤدي بمرور الوقت مع الارتفاع التدريجي في مستوى تسليح وكفاءة قوات حكومة الوفاق حول طرابلس، إلى تسلل اليأس والإحباط والرغبة في التسلل من المعركة والانسحاب من العمل العسكري، وهو ما يحاول حفتر وداعموه تلافيه حالياً ليحافظ على قوام جيشه من حيث العدد والنوعية.
وتركز المحور الثالث للاجتماعات حول الجهود المصرية الإماراتية لتقويض حكومة الوفاق داخلياً، واستمالة المزيد من المليشيات المحلية والقبائل للحرب إلى جانب حفتر وتعظيم الموارد البشرية لقواته، وذلك ارتباطاً بالاجتماعات الأخيرة التي استضافتها القاهرة الشهر الماضي وجمعت فيها نواباً برلمانيين وممثلي بعض العشائر والقبائل.
وأوضحت المصادر أن هناك عقبات تمنع التنفيذ السريع لهذه الخطة التي تحاول مصر تنفيذها منذ العام الماضي، وهي وجود اعتراضات عديدة من القيادات المحلية على شخصية حفتر وخلفيات المحيطين به، وهو ما يحاول عرابو الخطة التغلب عليه باستخدام وعود التسليح والمنح المالية والمساعدات الطبية والتنموية وتلبية الطموحات السياسية المستقبلية لبعض القيادات.
أما المحور الرابع والأهم في الفترة الحالية لحفتر فهو تكثيف السيسي اتصالاته مع الدول الغربية، وأحدثها بريطانيا، لرفع الحظر المفروض رسمياً، وليس واقعياً، على تصدير السلاح إلى ليبيا، وتحسين ظروف التواصل بين حفتر والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو الملف الذي تنشط فيه القاهرة عملياً أكثر من أي دولة أخرى داعمة لحفتر.
”
قال مسؤول مصري رفيع المستوى لحفتر إنه تلقّى دعماً يعدّ الأكبر خلال الفترة الأخيرة
” وقال مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى باللجنة العليا المعنية بمتابعة ملف ليبيا، التي يقودها جهاز الاستخبارات العامة، وتضم ممثلين عن القوات المسلحة ووزارة الخارجية، إن “زيارة حفتر تستهدف استعراض تطورات العملية العسكرية التي يشنها على طرابلس الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق”.
وأضاف المصدر: “حفتر جاء للقاهرة لإدارة مباحثات المرحلة المقبلة من العملية العسكرية، لأن الأمور لا تسير معه على ما يرام”، مستطرداً أنه “يرغب في تطوير الهجوم من دون أسانيد واقعية على الأرض، وهو ما تخشاه مصر، لا سيما بعد خسارته مدينة غريان الاستراتيجية، والتي كانت بمثابة مركز لإدارة العمليات”.
وتابع: “هناك إصرار من القائد العام (حفتر) على استكمال عمليته العسكرية، وسط تقدير موقف مصري من خطورة المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد استهدافه الكلية الجوية في مصراتة، ودخول المدينة بكل قواتها المعركة، بعدما كانت تناور رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ولم تدفع بعد بقوتها الضاربة”.
وأشار المصدر إلى أن اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي جهزت تقارير بشأن المشهد الليبي بالكامل، بهدف عرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي، موضحاً أن كافة التقارير، سواء الاستخباراتية أو السياسية منها، لا تسير في اتجاه استكمال المعركة العسكرية بشكلها الحالي، في ظل ارتفاع نسب الخسارة لقوات حفتر.
وزاد المصدر: “في بادئ الأمر كانت الأمور تخضع لمعلومات بأن مدينة مصراتة لن تشارك بكامل قوتها، نظراً للخلافات بينها وبين حكومة السراج، إلا أنه بعد استمرار أَمَد المعارك، وتوجيه ضربات للمدينة من قوات حفتر، دفعت كافة المليشيات المسلحة بكامل قواتها وعتادها لمحاور القتال، بالتنسيق مع القيادة العامة لقوات حكومة الوفاق”.
وكشف المصدر أن “القاهرة جهزت تصوراً رسمياً لإقناع حفتر، والحليف الإماراتي له، بالتوصل إلى صيغة سياسية دولية تضمن توقُّف المعارك في الوقت الراهن كخطوة أوّليّة، مع عدم الانسحاب من المناطق التي وصلتها قوات حفتر، وإقناع داعمين دوليين بضرورة فرْض تلك الرؤية على حكومة الوفاق، تحت غطاء تخفيف الأوضاع الإنسانية”.
وقال مصدر آخر باللجنة في تصريحات لـ”العربي الجديد” إن القاهرة تتعرض لضغوط أوروبية كبيرة لدفعها إلى وقْف دعمها للعملية العسكرية الأخيرة لحفتر المتعلقة باقتحام العاصمة، ومن ثم إجباره على وقف العملية، في ظل الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، بخلاف حالة الفوضى التي قد تخلفها تلك العملية، ما يعني تزايد أعداد المهاجرين عبر البحر إلى أوروبا.
وأوضح أن اجتماعاً موسعاً بين حفتر ورئيس المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، أبلغه فيه رئيس الجهاز بالضغوط التي تتعرض لها القاهرة، وهو ما يصعب معه استمرار وتيرة العملية العسكرية، في حين تمسك حفتر بإمكانية الحسم قبل انتهاء عيد الأضحى، حال تلقى دعماً عسكرياً كافياً لذلك من القاهرة وأبوظبي.
وأشار المصدر إلى أن كامل أبلغ حفتر بتعقُّد المشاورات السياسية الرامية لتشكيل حكومة بديلة، ومحاولة حشد دعم غربي لها، في ظل حالة الانقسامات داخل مجلس النواب الليبي المنعقد بالشرق الليبي، وهو ما ظهر خلال الاجتماعات التي استقبلتها القاهرة الشهر الماضي لنحو 70 من النواب، الذين انقسموا بين مطالب بتفعيل الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، وآخرين رافضين لإطلاق حكومة جديدة بالكامل.
وكشف المصدر أن القاهرة حذّرت حفتر أخيراً من تواصل المغامرة العسكرية، قائلاً “مسؤول مصري رفيع المستوى قال له إنه تلقى دعماً يعدّ الأكبر خلال الفترة الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك لم يتمكن من حسم الأمور لصالحه، وها هي تستمر لنحو 5 أشهر”. وأكد المصدر “القاهرة تبحث عن حل لا يلصق الهزيمة بحفتر، خصوصاً أن خروجه مهزوماً ستكون أضراره كارثية على مصر والمنطقة؛ وسيعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر مجدداً”.
من جهته، قال مصدر ليبي مسؤول بمعسكر شرق ليبيا إن “حفتر جاء إلى القاهرة طالباً مزيداً من الدعم، والتنسيق العسكري، لحسم المعركة خلال عيد الأضحى”، لافتاً إلى أن الفترة الماضية شهدت معارك عنيفة على محاور القتال، تضمنت ضربات نوعية للقاعدة الجوية في الجنوب، التي تنطلق منها طائرات مسيرة، وكان يعوّل حفتر عليها كثيراً في المرحلة المقبلة من المعركة.
”
بحث الاجتماع استمالة المزيد من المليشيات والقبائل للحرب إلى جانب حفتر
” وبحسب مصادر عسكرية في حكومة الوفاق، فإن القوات التابعة لها تمكنت خلال الأسبوع الماضي من توجيه ضربة ناجحة لقاعدة عسكرية إماراتية في الجنوب الليبي، كانت تنطلق منها طائرات “الدرونز”، ما أفقد حفتر ذراعاً طويلة كان يستهدف بها العاصمة، في الوقت الذي يواجه فيه مشكلات في سلاح الجو لحدوث انشقاقات به. وتسببت المعارك التي تقترب من شهرها الخامس في سقوط نحو 1100 قتيل، وإصابة 5762 بجروح، بينهم مدنيون، فيما تخطى عدد النازحين من ليبيا نحو 100 ألف شخص، وفقاً لإحصاء الأمم المتحدة.
ويأتي هذا في سياق ما سبق أن كشفته مصادر دبلوماسية مصرية وغربية في القاهرة لـ”العربي الجديد” الشهر الماضي، عن تكثيف السيسي اتصالاته بترامب ومستشاريه لانتزاع موقف حاسم وواضح بدعم حفتر ضد المليشيات التي تصفها مصر في خطابها الدبلوماسي داخل الغرف المغلقة بأنها “إرهابية وتنفذ أجندة الإخوان المسلمين”، وذلك انطلاقاً من إيمان السيسي بأن غياب الحسم الأميركي للموقف من التطورات الميدانية التي تحصل في ليبيا هو سبب الارتباك الأوروبي واستمرار ضبابية الأوضاع السياسية بليبيا، في ظل استعار المنافسة بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على الثروات الطبيعية هناك.
ويستخدم السيسي في هذه الاتصالات التخويف المعتاد من سيطرة حكومة الوفاق على ليبيا وهي متحالفة مع الإسلاميين أو معبّرة عن مصالحهم، مثل أن حفتر هو الوحيد الذي بإمكانه التعاون مع مصر وأوروبا لوقف الهجرة غير الشرعية من الأراضي الليبية، والتعاون للسيطرة على مصالح الدول الكبرى في حقول البترول والغاز.
وأحدثت هزيمة حفتر في غريان في يونيو/ حزيران الماضي هزة في معسكره الإقليمي دفع مصر والإمارات إلى تكثيف مساعداتهما العسكرية له، وتبنت المخابرات المصرية خطاباً إعلامياً عبر الوسائل المصرية والليبية التابعة لها لتصعيد الهجوم على تركيا وجماعة الإخوان، وتوجيه رسائل للخارج تهدف إلى تجديد ثقة العواصم الكبرى بأن حفتر متماسك وقادر على استكمال مهامه، الأمر الذي يبدو مشكوكاً في صحته بقوة حالياً بعدما باتت حملته على طرابلس قاب قوسين من الفشل، في ظل تداول معلومات على نطاق واسع عن “تململ” الإمارات، الداعم المالي الأكبر لحفتر، من عجزه عن الحسم وفشله في تحقيق انتصار عسكري واضح في طرابلس.
وخلال الشهر الماضي استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، الذي بات خصماً للمصالح المصرية، بعد حوالي أسبوع من إصدار حفتر بياناً أعلن فيه الحرب على تركيا واستهدافه السفن التركية والحديث عن تدخل أنقرة بشكل مباشر لدعم العناصر التي يصفها هو والسيسي بـ”الإرهابية”.