نص الكلمة
السيد الرئيس،
يسرني في البداية أن أتقدم بالشكر لمعاليكم على ترأسكم هذه الجلسة ، كما أتقدم بالشكر للسيد غسان سلامة ممثل معالي الأمين العام على احاطته بشأن التطورات الخطيرة التي تشهدها عاصمة بلادي منذ أكثر من خمسين يوماً من الاعتداء ، كما أتقدم بالشكر ايضاً لسعادة السفير يورغن شولز على الملخص الذي ادلى به فيما يتعلق بعمل ونشاطات لجنة مجلس الأمن المنشأة بموجب القرار رقم 1970 الخاص بليبيا.
السيد الرئيس،
مرت ثمان سنوات منذ تولي مجلسكم الموقر النظر في البند المعنون “الوضع في ليبيا” ، وشهدت هذه السنوات احداث جسام، أصدر خلالها المجلس العديد من القرارات والبيانات لترسيخ السلم والأمن في بلادي ، كما ارسل بعثة سياسية متكاملة لمساعدة الشعب الليبي على تجاوز محنته يقودها حاليا السيد غسان سلامة الممثل الخاص للأمين العام ، وبذلت البعثة الأممية منذ تكليفها ، جهودا مضنية ومتواصلة توجت بتوقيع اتفاق الصخيرات السياسي في 2015/12/17 ، وقد شكل على اثره المجلس الرئاسي المعترف به دوليا ، ومقره العاصمة طرابلس ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت حكومة بلادي بذل ما في وسعها لتحقيق الاستقرار في كامل ربوع ليبيا من خلال معالجة أربعة ملفات رئيسية : الأمن ، الاقتصاد ، ووضع الجنوب ، والاعداد للاستحقاق الدستوري والانتخابي .
ومع بدء الترتيبات الأمنية ، شهدت البلاد تحسنا ملحوظا في اختفاء المظاهر المسلحة وإرساء النظام العام ، وعودة مؤسسات الدولة للعمل تدريجيا بتعاون وثيق مع المجتمع الدولي ، وقد كان من أولى مهام هذه المؤسسات مكافحة الاٍرهاب وفق الصلاحيات المنوطة بها من قبل مجلسكم ، بأن تتولى قوات أمن وطنية موحدة ومعززة مكافحة الاٍرهاب ، تخضع حصريا لسلطة حكومة الوفاق الوطني . حيث شهد العالم القضاء على تنظيم الدولة داعش في سرت وغيرها من مناطق ليبيا، بتضحيات جسام من شبابنا الذين قدموا حياتهم في سبيل تخليص المنطقة والعالم من هذا الورم الخبيث ، وكان ذلك في اطار التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ، وعضويتنا في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب .
لقد أوفت بلادي في ظل حكومة الوفاق الوطني بالتزاماتها الدولية ، ومن أهمها نيل شهادة الخلو من الأسلحة الكيميائية من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في بداية يناير 2018 بعد التخلص من أطنان منها بمساعدة المجتمع الدولي ، اضافة الى ما تم انجازه في مجال حقوق الانسان ، ومعالجة لملف الهجرة الشائك ، وقيام قوات خفر السواحل الليبي بإمكانات بسيطة بإنقاذ أرواح الالاف من المهاجرين قبالة السواحل الليبية ، بالتعاون اليومي مع المنظمات الدولية المختصة .
وقد شهد الوضع الاقتصادي تحسنا ملحوظا من خلال برنامجا للإصلاح يعتمد على ترشيد الانفاق وتحفيز وتنمية ايرادات الدولة ، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط ، وتمكنت حكومة بلادي من رفع انتاج النفط ، وتقليص العجز ، وتخفيض معدلات التضخم، وضمان حاجات المواطن الاساسية وفي مقدمتها الأمن الغذائي والدوائي . وهذا مرحلة تتبعها مراحل للإصلاح متفق بشأنها .
سيدي الرئيس،
في ظل الجهود التي ذكرت والمرونة الكبيرة التي ابداها رئيس المجلس الرئاسي السيد فائز السراج في عدة اجتماعات مثل التي عقدت في باريس وباليرمو وأبوظبي وغيرهم للتحاور مع من كنا نعتقد أنهم شركاء العملية السياسية بالتعاون مع الامم المتحدة ، وفي الوقت الذي بدأ فيه الليبيون يستبشرون خيرا بمستقبل أفضل يستحقونه بعد اعلان السيد غسان سلامة عن قرب انعقاد المؤتمر الوطني الجامع ، وأثناء زيارة الأمين العام لليبيا ، قام حفتر بشن عدوان غادر على العاصمة طرابلس التي يقطنها ثلث سكان ليبيا ، بقوات هي خليط من مليشيات وجماعات مؤدلجة ومجموعات قبلية ومناطقية ، بعض قادتها الميدانيين مطلوبون من محكمة الجنايات الدولية.
لقد ارتكبت هذه المليشيات ومازالت ترتكب انتهاكات ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، بقصفها العشوائي الذي طال الأحياء السكنية ، والمدارس ومخازن الكتب والمطارات المدنية ، هذه الأعمال أدت الى قتل أكثر من 500شخص حتى الآن وجرح حوالي 3000 شخص، ونزوح أكثر من 100,000 نسمة. كما شملت الانتهاكات تجنيد الأطفال ، والتنكيل بالأسرى وقتلهم بدمٍ بارد ، وخطف الصحفيين اثناء قيامهم بالتغطية الإعلامية للحرب، مثلما حدث منذ اسبوعين للصحفيين محمد القرج ومحمد الشيباني، والذي انقطعت أخبارهما إلى اليوم، والذي نطلب بالكشف عن مصيرهما فوراً.
ولم تنتهي الانتهاكات الى هذا الحد ، بل أضيفت جريمة أخرى غير مسبوقة بقطع المياه عن العاصمة من منطقة في الجنوب الليبي تتواجد بها قوات حفتر وتتدعي السيطرة عليها.
سيدي الرئيس
ملف الانتهاكات ضخم و موثق ، وفي هذا السياق قدمنا خطابا لمجلسكم الموقر لإرسال لجنة تقصي حقائق ، لتحقق في كل هذه الخروقات والانتهاكات ، كما طالبنا أيضا التحقيق والاعلان عن هوية الدول الأجنبية الداعمة للعدوان والمساندة له عسكريا حسب اعترافات القوة المعتدية .
إن الترسانة العسكرية المستخدمة في العدوان لا تخفى على أحد ، ومن الواضح للجميع أن هناك دول زودت القوة المعتدية بمختلف الأسلحة من طائرات وصواريخ وآليات حديثة منذ سنوات ، في مخالفة واضحة لقرارات مجلسكم الموقر ، كما هو موثق في تقارير فريق الخبراء المنشأ بالقرار 1973 ، واننا نتساءل إلى متى يتم السكوت على هذه التدخلات ؟ وهى معروفة ، وأعاقت وصول الليبيين إلى حل لمشكلتهم ، الا يعد ذلك استهتارا بالقوانين والقرارات الدولية ؟
ان الدعم الذي يقدم للميليشيات المعتدية يؤدي فقط إلى إطالة أمد هذه الحرب ، ومقتل المزيد من المدنيين ، وتدمير البنية التحتية ، والاضرار بالنسيج الاجتماعي ، وتعقيد مستقبلنا ومستقبل العلاقات الليبية مع تلك الدول.
ان حكومة الوفاق الوطني تُمارس حقا سياديا بالدفاع عن مواطنيها ، مؤكدة انها ستستمر في مكافحة الاٍرهاب أينما وجد على الاراضي الليبية . وللأسف أتاح الاعتداء وما نشأ عنه من فراغ أمني الفرصة لعودة تنظيم ” داعش ” الذي حاربناها وطردناها من سرت ومدن ليبية أخرى ودفعنا ثمن لذلك قرابة 800 شهيدا والاف الجرحى ، ثم يأتي من يسوق ان الاعتداء على طرابلس يهدف محاربة الإرهاب ، في حين من يتصدى له دفاعا عن العاصمة هي القوات ذاتها التي حررت سرت من تنظيم الدولة “داعش “.
لقد تعرضت المنطقة الجنوبية في ليبيا مؤخرا لسلسلة من الاعتداءات الإرهابية من قبل تنظيم ” داعش ” في مدن سبها و غدوة ، وزلة وغيرهم ، وتعد جميعها من تداعيات العدوان على طرابلس، فأين هي قوات حفتر من ذلك وهي التي زعمت تحريرها وتأمينها ؟ بل من المؤكد انها أثارت بتدخلها فوضى ونزاعات قبلية ، عملنا على مدى سنوات على تهدئتها ، من خلال خطوات مدروسة وحملة وطنية تشمل الأمن والخدمات والوضع الاجتماعي .
سيدي الرئيس،
يؤسفني القول أن هذه الحرب المشتعلة حتى الأن، شكلت فشلاً ذريعاً لمنظمة الأمم المتحدة في القيام بواجبها تجاه بلادي ، والذي تشكل قضيته حيزا كبيراً من أجندة أهم جهاز في هذه المنظمة والمكلف وفق الميثاق بحفظ السلم والامن الدوليين ، وهو مجلسكم الموقر الذي لم يستطع حتى الآن وضع حداً لهذا الاعتداء ، وعجز عن تنفيذ قراراته التي انتهكت جميعها من قبل الكثير من الدول بتدخلاتها السلبية في الشأن الليبي ، وفشل ايضاً في الوصول إلى أي منتج يجنب المدنيين مخاطر هذه الانتهاكات والاعتداءات .
ان حكومة الوفاق الوطني تؤمن بأن أمام مجلس الأمن اليوم مسؤولية تاريخية في تصحيح مسار البوصلة وإعادة الأمور إلى نصابها، وبات مطالبا أكثر من أي وقت مضى بتجاوز التعبير عن القلق ، والاضطلاع بمسؤولياته في التنفيذ الفوري لقراراته السابقة ، وتسمية الأشياء بمسمياتها ، وذلك بإدانة المعتدي ، وإرغام قواته على العودة إلى مقارها السابقة قبل الهجوم ، فلا منطق في تسوية المعتدي بالمعتدى عليه ، وولا منطق لوقف اطلاق النار من المدافع عن نفسه دون عودة القوة المعتدية من حيث أتت .. وفي هذا السياق سمعتم ما قاله حفتر رداً على دعوة السيد غسان سلامة للهدنة خلال شهر رمضان المبارك ، حيث رفض ذلك وأعلن ما أسماه ”الجهاد“ ومواصلة القتال ، وهذا ما اكده أيضا في لقاءاته مع العديد من الوسطاء الدوليين.
سيدي الرئيس
نحن كنّا ولازلنا دعاة سلام وتوافق ، ولقد اضطررنا للحرب دفاعا عن أهلنا وعاصمتنا ، ودفاعا عن امل الليبيين في الدولة المدنية الديمقراطية ، ولا توصيف للعدوان على العاصمة سوى أنها انقلاب على الشرعية وتقويض العملية السياسية ، وسعيا لعودة الحكم الشمولي وحكم الفرد.
اننا نتطلع الى دعم مجلسكم لجهود السيد غسان سلامة الممثل الخاص للأمين العام ، للبدء في عملية سياسية ناجحة ، تأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة ، وان تجد البعثة الاممية آلية جديدة للحوار تشمل كل الليبيين دون اقصاء ، وعدم ارتهان العملية بشخص ، فإن قواعد التفاوض تغيرت بعد هذا الغدر والاعتداء … وليبيا أكبر من الجميع.