سماح السلطات التايلاندية بدخول السعودية رهف أراضيها بعد أن احتجزتها لساعات في أحد مطاراتها إثر فرارها من أهلها في المملكة وطلبها اللجوء في دولة أجنبية أصاب البعض بالدهشة، فالنظام التايلاندي لا يعرف عنه الاهتمام بالمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
في 2018، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش بانكوك باعتقال آلاف الأشخاص بينهم عديد من طالبي اللجوء الباكستانيين. لاعب كرة القدم البحريني السابق حكيم العريبي الذي حصل على حق اللجوء في أستراليا، اعتقلته بطلب من المنامة، بينما كان يقضي أجازة في تايلاند.
صحيفة واشنطن بوست قالت إن التاريخ ربما لعب دورا في ما آلت إليه الأحداث الأخيرة، مشيرة إلى شرخ حدث للعلاقات السعودية التايلاندية في فترة الثمانينيات بسبب “بستاني” تايلاندي.
ورغم أن العلاقات بين البلدين تحسنت بشكل كبير، ظلت هناك “بعض الندوب” حسب الصحيفة.
في عام 1989، كان البستاني كريانغكراي تيشامونغ يعمل لدى الأمير السعودي الثري فيصل بن فهد، ابن ملك السعودية الراحل.
وكان الأمير يمتلك ثروة هائلة من المجوهرات والأحجار الكريمة، أما البستاني فعقد العزم على السرقة والهرب.
رسم تيشامونغ الخطة ونفذها.
وتحت جناح الظلام، قفز البستاني من فوق سور القصر. وصل إلى الخزنة وسرق حوالي 100 كيلوغرام من المجوهرات، بينها ماسة زرقاء نادرة تزن 50 قيراطا وعقد مرصع بماسات خضراء وساعات ذهبية وياقوت.
لا تعرف التفاصيل الدقيقة لتهريب المسروقات. البعض تحدث عن قيامه بإخفاء الغنيمة داخل مكنسة كهربائية كانت في القصر.
أرسل العامل التايلاندي المسروقات إلى بلده عبر البريد، وتمكن هو من مغادرة الأراضي السعودية إلى تايلاند.
ومع وصوله إلى بلده، تطورت الأمور نحو الأسوأ. فالقضية التي عرفت في ما بعد باسم “سرقة الماسة الزرقاء” أصبحت أكثر من مجرد حادث سرقة عادي.
أفضت السرقة إلى حملة اغتيالات قتل فيها حوالي 18 شخصا بينهم أربعة سعوديين، وإلى جمود دبلوماسي بين السعودية وتايلاند استمر أكثر من 20 عاما.
ولا تزال “الماسة الزرقاء” مفقودة حتى الآن، ولم يحاسب الجناة في القضية على فعلتهم بما يرضي الرياض.
لم يمض تيشامونغ في تايلاند طويلا حتى اكتشف فعلته الأمير. اتصل المسؤولون السعوديون بالحكومة التايلاندية وطلبوا إعادة المسروقات. وبالفعل ألقت الشرطة القبض على السارق، لكنهم لم يجدوا المسروقات، فقد باعها لتاجر مجوهرات.
ولتأمين حكم مخفف، أخبر العامل السابق السلطات باسم التاجر، ولم تنته القصة عند هذا الحد مثل أي قصة سرقة عادية.
وصلت المسروقات لأصحابها، واكتشفوا أن أغلبها تم استبداله بحلي مزيفة. استشاط السعوديون غضبا عندما شاهدوا زوجات كبار المسؤولين في تايلاند وهن يتحلين بمجوهرات تشبه المجوهرات الأصلية.
هذا الأمر كان بمثابة إهانة للسعوديين، فأرسلوا فريقا دبلوماسيا يستكشف حقيقة ما جرى.
في الأول من شباط/فبراير 1990 قتل ثلاثة من أعضاء الفريق الدبلوماسي السعودي في ظروف غامضة، وفي الشهر ذاته، اختطف رابع، وهو رجل الأعمال محمد الرويلي، وعرف في ما بعد أنه لقي المصير ذاته.
السعوديون شككوا في نزاهة الشرطة التايلاندية واتهموا أفرادها بالتورط في السرقة والقتل.
في عام 1994، اختُطف تاجر المجوهرات، الذي كان بالطبع يعرف الأشخاص الذين اشتروا منه المجوهرات، وقُتل ابنه وزوجته.
تصاعدت حدة الخلاف بين البلدين، وفقد العاملون التايلانديون في السعودية تصاريح عملهم وأجبروا على العودة إلى بلادهم.
وخفضت السعودية مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تايلاند، وفي 2010، قالت تقارير إن مسلمين تايلانديين وجدوا صعوبات في الحصول على تأشيرات لزيارة مكة.
مع تصاعد الخلاف، تم توجيه اتهامات إلى خمسة ضباط في مقتل رجل الأعمال السعودي، ولكن تم إسقاط القضية المرفوعة ضدهم في عام 2014 لـ”عدم كفاية الأدلة”.
الحكومة السعودية، من جانبها، تحدثت عن “تدخلات في النظام القضائي… وضعف اهتمام الحكومة التايلاندية بحل قضايا الاغتيالات” في القضية.
وفي تطور لافت، قرر تشامونغ في 2016 دخول عالم الرهبنة، بعد أن أمضى في السجن ثلاث سنوات.
وفي تصريح لفورين بوليسي، عبر الرجل عن ندمه، وقال إن العثرات التي تعرض لها في حياته سببها لعنة سرقة الماس، لذلك قرر أن يصبح راهبا بقية حياته.
في 2016، وفي مؤشر على انفراجة في العلاقات المتوترة، اجتمع وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير برئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان، على هامش قمة آسيوية في تايلاند، بحضور رئيس وزراء البحرين خليفة بن سلمان.
وكان ذلك اللقاء الأول من نوعه على هذا المستوى بين السعودية وتايلاند منذ أكثر من عقدين توقفت خلالها العلاقات الثنائية بسبب ماسة زرقاء وحفنة مجوهرات.
المصدر / وكالات