كيف تصبح مجرما ؟ !
لم تسلك الذات البشرية في أي مرحلة من مراحل تكوينها وعلى مدى العصور من عادة اكتساب ، والاكتساب بنوعيه الإيجابي و السلبي .
فكل المهن الحرفية وعادات وتقاليد الشعوب والصفات والعلم والحضارة لم تنتقل من عصر الى عصر بغض النظر عن التطور والاختلاف الذي طرأ عليها الا بالاكتساب .
فلولد يكتسب من والديه غالبا جنيا عاداته وبعض صفاته ناهيك عن شكله ولونه ، والأسرة تكتسب عاداتها من المجتمع ،والمجتمع يكتسب عادته من الشعوب ،والشعوب تكتسب عاداتها من التاريخ … وهكذا دواليك …
فالإنسان بفطرته حقلٌ للاكتساب إذن !
ولكن أيعقل ان يكون الاجرام عملا مكتسبا أيضا ؟!
للإجابة على هذا السؤال يلزمنا تتبع تاريخ الاجرام ،وعند السير على هذا الطريق نجد انفسنا قد وقفنا عند أول جريمة على الأرض أي بعد خطيئة ادم والتفاحة
مَن اكتسب مِن مَن ؟؟
قابيل قتل هابيل والغرابين احدهما قتل الاخر وجاء ليعلم قابيل طريقة إخفاء الجريمة !!
هل يعقل ان الغراب أكتسب من قابيل القتل وفي المقابل أكسبه طريقة الدفن ؟؟؟
يقال في أغلب المراجع الجنائية أن الإجرام في كافة حالاته قاطبةً تظهر بوادر احتمالية ارتكابه على فاعله في سن مبكرة للغاية ، فسن الخامسة عشر هو سن مناسب لظهور علامات تدل على ميل المراهق للفساد أو الفعل اللاإجتماعي ، و الذي يميل إلى إنتاج جريمة تجتمع فيها كل عناصرها من الرغبة إلى الفعل .
و هذا كلام دقيق في الواقع و السجلات ، لكنه قد يغيب بل قد يصبح محل شك في أدبيات علم النفس أو في أدبيات مدرسة التحليل النفسي بالذات ، و التي تؤمن اعتقاداً أن ما يمنع المرء من فعل أمر أو أن ما يدفع المرء لتحويل نمط معين في حياته ، ما هو سوى صراع في داخله بين رغبة و رهبة ، و بين إحجامٍ متراص وراء مخافة أو إقدام قد ينفلت إن ضمنت الكينونة متعتها دون ألم أو عقاب !
ولكن من وجهة نظري هناك من يولد ليكون مجرماً و ربما الظروف هي التي جعلت منه أن يكون مجرماً ، و هناك من يولد ليكون ملاك رحمة و ربما الظروف ايضاً هي التي مهدت له لكي يكون ملاك رحمة .
فأحيانا يعاني شخص ما من الظلم والاضطهاد فيولد لديه رغبة في الانتقام وبالتالي يصبح مجرما .
هنا وصلتُ وإياكم الى مربط خيلي …
نحن في مجتمع يقودك الى طريق واحد …. الإجرام
فماذا تتوقع من شخص قتلوا والديه بلهو ولعب ، من شخص أغتصبوا بناته القاصرات ، من سرقوا ماله بدم بارد ،من ظلمه وأعتدو على حقوقه ،من أقنعوه انه لا سبيل لإتمام معاملته والتي قد تكون سحب راتبه الا بالرشوة ….
والعدالة التي من المفترض ان تكون الوحيدة التي تحاول القضاء على هذا الاجرام ومحاسبته ، تجدها في واقع الامر المحرض الوحيد لولادة كل يوم مجرم جديد .
فمن قُتل له قتل ، ومن سُرق منه سَرق ، ومن أُعتدي عليه اعتدى،ومن ظُلمَ ظَلَم ، ومن رُشي أرتشى .
فالمرحلة التي يمر بها مجتمعنا ، مرحلة حرجة جدا ، مرحلة تتسم بالفوضى وانعدام القانون وغياب العدالة ، وتدفق عمل الاجرام بألوانه .. قتل .. ظلم .. سرقة .. اغتصاب .. اعتداء .. انتهاز .. رشوة .. محسوبية .. وساطة ..
ولا رادع لأي منهم ..
وكل شخص يأخذ على عاتقه اكتساب كل يوم لونا اجراميا جديدا .
إننا يا عزيزي القارئ في مجتمع نقدم للطفل الف طريق ليكون في نهاية هذا الطريق او ذاك … مجرما .
بقلم : محمد الطاهر التراسي