يشهد الشارع الليبي حالة من الحراك الشعبي الساخط على ما يحدث في البلاد من انفلات أمني وتدهور اقتصادي وانقسام سياسي، كل هذه الحقائق دفعت الشعب الليبي خلال الأسابيع القليلة الماضية للخروج إلى الميادين والمطالبة بإسقاط جميع الأجسام السياسية ومحاسبة كل من كان طرفاً فيما آلت إليه أحوال البلاد منذ عام 2011.
الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد دفع الشعب الليبي للخروج عن صمته والمطالبة بحق التعويض من دول حلف شمال الأطلسي التي شاركت في قصف ليبيا عام 2011 الذي استهدف الموانئ والمطارات وعطل حركة التجارة ودمر شبكات المياه والكهرباء وأدى إلى انهيار قطاع النفط الذي يمثل شريان الاقتصاد الليبي.
دعما لهذه المطالب، قدمت نقابة محاميين ليبيا في مارس الماضي دعوى قضائية ضد حلف الناتو وطالبتهم بتعويض متضرري حرب 2011 والقيام بإعادة إعمار ليبيا. هذه الدعوى قوبلت بالنكران من الجانب الأوروبي، حيث قال نائب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في الناتو، خافيير كولومينا، أن تدخل الناتو في ليبيا لم يكن تدخلاَ مطلوباً من المجتمع الدولي ولكن جاء بسبب خطاب من جامعة الدول العربية لحماية المدنيين.
حماية المدنيين من وجهة نظر خافيير لم تأخذ بعين الاعتبار سقوط مئات والاف المدنيين بسبب قصف الناتو العشوائي للبلاد. حيث ذكرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أن ما بين 400 إلى 1000 مدني قتلوا بشكل مباشر بسبب غارات الناتو بين مارس وأكتوبر 2011. أما منظمة هيومن رايتس واتش ذكرت في تقاريرها أن عشرات الغارات الجوية للناتو تسببت في سقوط ضحايا مدنيين، لكنها لم تُحصِ العدد الإجمالي، بسبب الفوضى الأمنية التي تسبب بها تدخل الناتو.
تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) أشار إلى أن آلاف الليبيين قُتلوا خلال الصراع ككل، لكنه لم يحدد عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب قصف الناتو تحديداً. بحسب تقديرات حكومة معمر القذافي حينها فأن أكثر من 2,000 مدني قتلوا بسبب قصف الناتو.
في هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي، والمتحدث باسم جمعية ضحايا حرب الناتو على ليبيا، مصطفى الفيتوري الذي قال: “اتخذنا إجراءات قانونية ضد دول الناتو، بسبب دماء الشعب الليبي. حلف شمال الأطلسي تولى العمليات التي بدأتها فرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، يوم 19 مارس 2011م، وبدأ قصف ليبيا وتولى السيطرة رسمياً”.
حلف شمال الأطلسي تولى رسمياً السيطرة على العمليات فوق ليبيا، يوم 31 مارس، بما في ذلك منطقة حظر الطيران. بين 20 يونيو 2011م، وأكتوبر من نفس العام، سجلنا ما بين 250 و403 مدنياً قُتلوا على يد حلف شمال الأطلسي. وأضاف الفيتوري أن الجمعية قامت بإحصاء ذلك، وانضمت أيضاً إلى قوات الحروب الجوية، وهي منظمة غير ربحية تعمل على توثيق الضحايا المدنيين في الحروب. وصلنا إلى الأرقام الختامية التي ذكرتها، وقُتلت الضحية الأصغر سناً في 20 يونيو 2011م، لقد كانت طفلة صغيرة، عمرها كان حوالي 4 أو 5 أشهر.
ومع مرور الوقت ازدادت الأصوات الداعمة للدعوى القضائية ضد حلف الناتو، حيث أصدر حزب صوت الشعب الليبي بياناً يؤكد ما ذكرته التقارير حول عدد الضحايا وكم الدمار الذي أصاب البنية التحتية من دمار واسع وانعدام كامل للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي نتيجة حتمية لتدخل الناتو في ليبيا.
هذا كما أعلن الحزب عن تأييده بكل قوة نقابة المحامين الليبيين في رفع دعوى ضد الناتو للمطالبة بالتعويض الكامل على الجرائم التي اقترفها الناتو في ليبيا من هدم للبنية التحتية إلى قتل وإبادة الكثير من الليبيين رجال ونساء وأطفال وشيوخ. الحزب طالب كل المختصين، خاصة المجلس الأعلى للقضاء وجميع المنظمات الحقوقية بضرورة مساندة دعوى نقابة المحاميين والعمل على الذهاب بهذا الملف إلى محكمة الجنايات الدولية.
الخبير والباحث السياسي الليبي، خالد جعفر، يقول إن أثار قصف الناتو لليبيا تنعكس بوضوح على الشارع الليبي اليوم بالنظر إلى المظاهرات السلمية التي خرج فيها الشعب وطالب فيها بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، وجاءت المطالب بعد اتهامه بالفساد بعد أن عقد صفقة سرية مع عدد من دول الغرب للتلاعب بالأموال الليبية المجمدة مقابل تكميم أفواه الأحزاب التي تُطالب بمحاسبة الناتو على ما ارتكبوه في ليبيا.
ويقول جعفر أن إيطاليا، الشريك الثاني بعد تركيا للدبيبة، ضمن أوائل الدول التي يطالبها الشعب الليبي بالتعويض وتتحمل مسؤولية ما ارتكبته ولا تزال ترتكبه في ليبيا من محاولات مستمرة لتوطين المهاجرين غير الشرعيين داخل الأراضي الليبية ومحاولات شركات النفط الإيطالية للاستحواذ والسيطرة على حقول النفط الليبي.
