لسنوات يتابع الليبيون ما يجري في بلادهم ويساورهم احساس العجز وعدم القدرة على التغيير.
فالنخب السياسية تتصارع فيما بينها والانقسام والأزمات السياسية والحلول التي لا يمكن تطبيقها أصبحوا جزء لا يتجزء من نشرات الأخبار اليومية. أما المواطن العادي فهو الذي يدفع ضريبة هذا العجز في أزمات لا تنتهي في الوقود والخدمات الأساسية والفيضانات ونقص السيولة والغلاء الكبير لكافة أساسيات الحياة.
مما لا شك فيه يتحمل السياسيون الليبييون مسؤولية القسم الأعظم من أزمات بلادنا. فهم المستفيدون من بقاء الأمور على حالها فجل ما يخشوه هو فقدان مناصبهم التي تفتح لهم مدخلاً للمال العام دون أي محاسبة وأوضاعهم تذكرنا بالمثل العربي القائل “من أمن العقاب أساء الأدب.” وكما هو معروف يرتبط بهؤلاء السياسيين بشكل مباشر أو غير مباشر الميليشيات المسلحة التي تحول جزء كبير منها إلى جماعات اجرامية تعتاش على المال العام.
يتناغم من على رأس هذه الميليشيات مع السياسيين ويعتاشون على بعضهم البعض في شراكة تمتص مقدرات البلاد وتهدد استقرار وأمن المواطنين العاديين. هذه الميليشيات أصبحت تهدد كيان الدولة الليبية لا فقط لدورها في تعزيز انقسام البلاد بل أيضاً بتبعيتها للقوى الخارجية التي آخر ما تهتم به هو المصالح الوطنية.
قد تكون القوى الخارجية هي المستفيد الأكبر من أزمات ليبيا. فتلك القوى لا مصلحة لها أن تنهض ليبيا كأحد أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز وواحدة من أهم الدول في العالم من حيث الموقع الاستراتيجي. وفي حين تسعى كل دولة كبرى لتحقيق أهدافها في المنطقة سواء فيما يتعلق بايقاف الهجرة الغير شرعية أو محاربة الارهاب أو غيرها يغيب الصوت الليبي عن النقاش وتتحول البلاد إلى ساحة للمصالح الخارجية المتناحرة.
على سبيل المثال وفي الوقت الذي تتسارع الخطى العالمية للتحول للطاقة المتجددة تسعى الدول الغنية بالنفط والغاز لاستثمار السنوات المتبقية من عمر تلك المصادر للحصول على أقصى استفادة مادية لتمويل خطط تنموية متعددة. خطة 2030 السعودية تأتي في هذا السياق وهناك خطط مشابهة في الامارات وقطر وغيرها من دول الخليج. أما في ليبيا فقطاع الطاقة مهدد كل يوم بالاغلاق معرضاً أهم مصادر الدخل لليبيين للخطر.
في هذا الاطار تظهر روسيا كأكبر المستفيدين من أزمات ليبيا المتلاحقة. فمن الناحية الاقتصادية اغلاق حقل الشرارة أدى إلى ارتفاع في أسعار النفط العالمية وزاد من مدخولات الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها روسيا. ومن الناحية السياسية هذه الأوضاع تبدو مواتية لما يخطط له الكرملين في القارة الافريقية فالتقارير العالمية تؤكد قرب تشكيل فيلق افريقي لروسيا انطلاقاً من ليبيا وهناك أخبار مؤكدة تشير إلى سيطرة وشكية للروس على موانىء في الشرق الليبي وقواعد جوية مختلفة في الجنوب وغيرها. هذه التطورات وغيرها كان لها تأثير مباشر على المواطن الليبي والذي تجلى بأزمة الوقود في الجنوب الناجمة إلى حد كبير عن تورط الروس في عمليات التهريب إلى حميدتي في السودان وجماعات متمردة أخرى في الجوار. الدولة الليبية لم تكن لتسمح بمثل هذه التدخلات لو كانت هناك قيادة ليبية حقيقة تدرس بدقة الفوائد التي ستجنيها البلاد من خطط الروس في ليبيا والمنطقة.
الرد على القوى الخارجية العابثة في ليبيا ومن ورائهم السياسيين والميليشيات الفاسدة هو بالوحدة الوطنية الليبية التي لا تفرق بين ليبي وآخر والتي تفرض معادلة جديدة على كل القوى الفاعلة في البلاد أن الحل لن يكون إلا بما يتناسب مع تطلعات الشعب الليبي وأن من يحكم في ليبيا يجب أن يأتي بشرعية وطنية باختيار شعبي حقيقي. اجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن هو الشرط الأول لهذا الأمر.