بقلم: خالد الطرابلسي
لا نعرف من أطلق اسم “دانيال” على الإعصار الذي ضرب شرق ليبيا مؤخرا وفي ليلة سوداء حالكة أودى بحياة الآلاف في درنة وحدها بينما لا يزال الكثيرون مفقودين وفي لحظات تم مسح أجزاء كبيرة من مدينة الصحابة في مشهد لم تشهد بلادنا له مثيل، لكن من المؤكد أن هذا الاسم ليس عربيا ويعد دخيلا على لغتنا ومن المؤكد أيضا أن الإعصار وتسميته جاءت من خارج البلاد وفي المقابل كانت المأساة ليبية خالصة، رغم ان درنة كانت ضحيتها الأولى إلا أن الكارثة تركت أثرا كبيرا في قلب كل ليبي من شرق البلاد إلى غربها وجنوبها ولعل هذا ما دفع بأبناء الشعب الواحد ليهبوا في مؤازرة أهلهم في درنة متناسين صراعات الماضي ومصممين على مواجهة هذا الإعصار كقلب رجل واحد.
وفي الوقت الذي مازال فيه الليبيون متأثرين بإعصار “دانيال” وما سببه من مأساة ظهرت دلائل تنبؤنا بأن إعصارا من نوع آخر يتربص بنا جميعا ويهدد أمن وسلامة بلادنا. مع زيارة خليفة حفتر الأخيرة إلى روسيا وما سبقها من زيارات متتالية لنائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكروف لبنغازي أكدت تقارير أن الطرفان يحضران لصفقة عسكرية تتضمن إنشاء قواعد عسكرية روسية على الأرض الليبية لا سيما في موانئ الشرق الليبي في بنغازي وطبرق على وجه الخصوص.
تخبرنا تجارب الماضي أن هذه الصفقة إن تمت فستكون بمثابة إعصار حقيقي سيعصف ببلادنا خاصة في الوقت الذي بدأ في الليبيون يتأملون خيرا للخروج من حالة الحروب والصراعات والتدخلات الأجنبية. هذا الإعصار الروسي المدمر يذكرنا بالصفقة السابقة التي تمت بين حفتر والروس والتي أدت لشن حرب طرابلس الكارثية عام 2019 لتدخل البلاد في صراع لم يخدم سوى المصالح الروسية في تثبيت قدم مرتزقتها على الأرض الليبية ولم يحقق لليبيين سوى الموت والدمار ومزيد من الفرقة.
وإن استعنا بتجارب الدول الأخرى مع الوجود العسكري الروسي تتجه انظارنا للقواعد الروسية في سوريا لنرى انها لم تحقق لذلك البلد سوى المزيد من الحروب والدمار بل ايضا كانت وباء على باقي الدول ومن بينها ليبيا من خلال دورها في تصدير المرتزقة الروس وغيرهم مباشرة من سوريا الى بلادنا ليبيا.
لا شك ان روسيا لديها الآن مطامع استعمارية تسعى لتحقيقها من خلال نشر المرتزقة في العديد من البلدان لا سيما الدول الافريقية المجاورة، لكن التحركات الأخيرة والإعصار الذي تنبؤ به تشير الى أن الروس يحاولون جاهدين لاستغلال حالة الفوضى في ليبيا لإنشاء وجود عسكري روسي استراتيجي يساعد الروس على التوسع اكثر في افريقيا من خلال بوابة الشواطئ الليبية وهذا النوع من التدخل السافر في بلادنا سيكون بالتأكيد على حساب امن ليبيا ووحدتها لسنوات طويلة قادمة.
إن ضرب هذا الاعصار الروسي مدن الشرق الليبي فنتائجه المدمرة ستطال كافة الليبيين وفي كل المجالات الا ان الحديث عن سعي الروس للوصول الى الموانئ ولاسيما في بنغازي وطبرق يجعلنا نفكر بالعواقب الاقتصادية التي ستلحق بهذه المدن واهلها اولا وصولا الى كل بقعة من ارض ليبيا. لطالما شكلت الموانئ نقاط جذب اقتصادي كبير وبلادنا عرفت اقدم التجارب البشرية في الاستفادة من البحار في التجارة وتعزيز الحياة الاقتصادية. الا ان الوجود العسكري للروس في مدن كطبرق وبنغازي سيكون بمثابة الضربة القاضية لاي نوع من الحركة الاقتصادية في هذه المدن لان هذه الموانئ باختصار ستكون تحت تصرف الروس وفي خدمة مصالحهم الاستعمارية التوسعية بدلا من خدمة مصالح الليبيين.
ان اعصار “دانيال” ما كان له ان يقتل ويدمر لو ان سدود درنة كانت منيعة بما يكفي ولو ان هذه السدود نالت الاهتمام اللازم لجعلها قوية وقادرة على صد هكذا خطر. وكذلك يتطلب صد الاعصار الروسي سدا من نوع آخر يقف فيه جميع الليبيين صفا واحدا لرفض هذا التدخل وانقاذ ليبيا من الوقوع فريسة للمطامع الروسية. كلنا شهدنا كارثة اعصار “دانيال” وتأثرنا بحجم المأساة والآن كلنا مطالبون بالوقوف معا لمنع حدوث اعصار آخر ولاجبار “دانيال” الروسي على العودة من حيث أتى.