الرئيسية مقالات إبراهيم موسى قرادة يكتب … “صفقة القرن الليبية، جريرة المشير الكارثية”

إبراهيم موسى قرادة يكتب … “صفقة القرن الليبية، جريرة المشير الكارثية”

الجمعة 01 مايو 2020 - 3:49 ص

تمهيداً، والجل الأعظم من الليبيين خاسرين ومرهقين من هذه الحرب الغاشمة الطويلة على طرابلس وانعكاسات اندحاره وانتحاره الوطني، واخيراً من عدمية وعبث ملعب السياسة الساخنة من فريق التفويض الحفتري ضد فريق المبادرة العقيلي، وخلال ذلك يتسرب مصير ومستقبل في ملهاة التراجيديا الليبية.

كمقدمة، ارتبط مصطلح “صفقة القرن” بعرض تسوية سياسية للقضية الفلسطينية ومشكلة الشرق الأوسط المزمنة تتضمن معالجات وإكراهات ومقايضات لمسائل الأرض والسكان والحدود والاقتصاد والاستثمار. وهناك من يرى أن ليبيا بمساحتها الواسعة ووفرة مواردها النسبية مقابل قلة وتشتت سكانها قد تكون ضمن هذا المشروع. وهذا ما يفسر به البعض كأحد أسباب ومحركات الحرب الراهنة لا الخيرة، وان خريطة التدخلات الدولية من ذلك.

وحتى وإن لم يكن هناك ارتباط لصفقة القرن المعروفة بليبيا، وانتقالاً الى المحتوى مع تجاوز بعض التمهيد، لضيق المجال، فصفقة القرن الليبية، بعد هذا المسلسل الحفتري العنيف وتهاويه المتسارع، بنجاح كبير ووحيد هو تمزيق النسيج المجتمعي، وبالاخص بين إقليمي طرابلس وبرقة وداخل الأقاليم الثلاث، بشكل غير مسبوق في التاريخ المستحضر المعروف.

وتبسيطاً في التناول، يمكن تناول ذلك حسب مفهوم الأقاليم الليبية التي عمقتها حروب حفتر.

1- برقة:

– تشكل نصف مساحة ليبيا وأقل من ثلث سكان ليبيا، وتقديراً 1.8 مليون نسمة، مع ثلثي المنتج النفطي؛ تحدها مصر بـ 102 مليون، والسودان بـ 43 مليون وتشاد بـ 16 مليون نسمة، أي أكثر من 160 مليون نسمة، بنسبة 1 : 88. دول جوار برقة تعاني من نمو واكتضاض وانفجار سكاني متسارع وكبير مع قلة موارد معيشية ومائية، مما يجعلها طاردة وضاغطة لـ”تصدير” السكان. وهذا موضوع أمن واستقرار عالمي في عواصم القرار لإيجاد حل.

– معلوم تاريخياً، ان خلال 300-200 سنة الاخيرة، وبسبب حروب قبلية في برقة، ومن أهمها حرب بين قبيلتي العبيدات وأولاد علي، وحرب بين قبيلتي العواقير والجوازي، نتج عنها هجرة أولاد علي والجوازي شرقًا إلى مصر، بجانب هجرات قبلية ليبية اخرى إلى مصر خلال القرنين الماضيين. والبعض يقدر عددهم الآن بين 10-15 مليون نسمة. ونسبة من المهاجرين احتفظوا بذلك التاريخ مستحضراً ومتوراثاً، وبعلم من السلطات. ولعل من المفيد للفهم التاريخي والسياسي في مثاليّ الحربين المذكورتين أن العبيدات والعواقير استعانوا وتمتعوا بدعم الدولة العثمانية (تركيا الآن) القرمانلية في تلك الحربين. الاستخدام السياسي لتلك الحوادث التاريخية ازداد في الفترة الاخيرة في بعض الدول وحتى داخل برقة نفسها- ليس ما في سبق أي انتقاص من ليبية ونبل وأصالة ابناءالقبائل المذكورة الليبيين الذين هم مثل كل الليبيين حقاً وكرامة وواجبا والتزاماً.

– حرب الكرامة في برقة، وبالأخص في بنغازي ودرنة، أنتجت خطاب وممارسة طاردة لبعض من السكان من أصول طرابلسية او خلفيات فكرية- تحت مظلة محاربة الإرهاب، أدت إلى نزوح وهجرة ما يقدر بـ 200 الف منهم نحو الغرب الليبي، مع انكماش في انخراط من تبقى منهم في برقة في الشأن العام، إلا إذا كان ظاهره الموالاة.

– هناك مؤشرات مؤخرة بمحاولة الساعين للسيطرة على وبرقة بتفجير ميثاق مصالحة الحرابي، 1946، الذي راعته السنوسية بقيادة الأمير (حينئذ) ادريس بين مكونات برقة، قبائلها وحضورها، والذي أنهى الصراعات على ارضية حكمة ادريسية سامية “حتحات على ما فات”/ أي نسيان ما فات وبداية صفحة جديدة. وقد صمد ذلك الميثاق رغم محاولات الاختراق القذافية. ويعتبر من أنجح المصالحات الوطنية. والآن يعاني هذا الميثاق من انتهاكات من أطراف من الداخل والخارج تحت شعارات تشجع على الانتقام من المظلوميات التاريخية بدلاً عن معالجتها.

– بعد إخفاق مشروع حفتر للسيطرة على طرابلس المنطلقة قيادته من هضاب الرجمة، بدعم او سكوت من بعض الرموز البرقارية، الذي اعتبره بعض الطرابلسيين “غزو” برقاوي، وأظهر ذلك إعلاميًا. ولولا فرامل اصوات وجهود وطنية من كل ليبيا لانفلتت الأمور، ومن ذلك مشاركة أبناء من برقة في الذود والدفاع الميداني والسياسي والإعلامي عن طرابلس.

– ليس بخافٍ أنه من حين إلى آخر تبرز كتابات وتصاريح (غير رسمية) حول مسألة حدود وتابعية وعلاقة وارتباط برقة مع مصر، الجغبوب مثلًا.
كتصور، ماذا لو طالب أولاد علي والجوازي وباقي القبائل بطرح وتسوية المسألة؟ ومن مثال ذلك ما تم مؤخرا بسعي الجوازي باتهام الدولة العثمانية باقتراف مجزرة وتهجير ضدهم؟ هذا المسعى ليس بالضرورة موجه لتركيا فقط.

– بالاضافة إلى تسابق وتنافس المجال البحري في شرق المتوسط الساخن.
ايضاً مسألة الندرة السكانية وحمى الذهب في اقصى الجنوب الشرقي. فالمسافة بين الكفرة حاضرة الجنوب الشرقي وبنغازي تتجاوز 1000 كم ومع اجدابيا قرابة 800 كم وهي مساحة صحراوية صعبة وخالية باستثناء بعض الواحات.

– هذه الصورة وواقعها، وإن اختلف البعض في تقييمها وتقديرها وصفاً او تفصيلاً، تضع برقة في وضع خرج جدي مستقبلي وليس بعيد، هذا يتطلب من نخبها الوطنية تجاوز التفكير في التفاصيل المؤقتة والاستعاضة بتصور شامل استراتيجي أبعد وأوسع نظراً.

2- فزان:

– تشكل فزان حوالي ثلث مساحة ليبيا بساكنة تتراوح نصف المليون نسمة، ويحيط بها غربًا الجزائر بـ43 مليون والنيجر بـ 24 مليون نسمة، بنسبة 1 مقابل 152، مع اعتبار ارتباط الامتداد الغرب الأفريقي من النيجر إلى نيجيريا بـ 205 مليون، مروراً بمالي ذات 20 مليون نسمة. ومنطقة الساحل هي من أعلى مناطق النمو السكاني في العالم، مع تراجع قدرة الأرض على الاستيعاب بسبب الجفاف والتصحر.
فزان بوضعها الديمغرافي هي محطة مرور وتجمع واستقرار المهاجرين، والتي يقدر “المسجل” منهم في ليبيا ما يقارب 700 ألف، أي أكثر من سكان فزان.

– فزان عانت من هجرة مكثفة لنخبها الوظيفية ورجال أعمالها إلى الشمال، وتحديداً طرابلس، والتي زادت بشكل لافت في السنوات الاخيرة.

– قضية اخرى جديرة، وهي أن المركب السكاني في فزان يتكون من اربع عناصر أساسية: الأهالي، والقبائل العربية المهجرة وذات الامتداد الطرابلسي، والتبو، والطوارق الامازيغ. هذا التنوع يعيش توجس وتوتر ينعكس في صراعات مسلحة من حين إلى اخر.

– وللاسف ان سياسة النظام السابق بمحاباة بعض العناصر السكانية انحسر وتقلص مما خلق اختلالات لم تستوعب من العديد لسرعتها وعمقها. وكمثال تصوري للتقريب، لو أن أحد المكونات او القبائل عدد سكانها 60 ألف نسمة من 6 مليون سكان ليبيا، وأنه كانت تحظى وتمتنع بحيز تمييزي نسبته 10% من التمييز والتفضيل في الوظائف القيادية والتسهيلات العامة، و وانكمشت إلى النصف فقط أي 5% في حين ان النسبة التوازنية تدور في مجال 1%، فإنه سيعتبر اجحاف اجتماعي. هذا المثال موجود في الأقاليم بنسب ربما اقل، ولدى الأفراد أكثر.

– النقطة السابقة تتطلب النظرة الواعية لاهمية التمييز الإيجابي للجنوب الغربي والشرقي لاعتبارات وطنية وجيوأمنية، وفي المقابل مطلوب جهد ذاتي من بعض نخب بعض مكونات فزان ان تعي وتستوعب وتتكيف مع التغيرات الجديدة والقادمة، حتى يتم تجاوز التنافر المدمر.

– مكونا الطوارق والتبو الليبيان الاصيلان لهما خصوصية مزدوجة. أولهما تمييزية وهي انهما حراس وحماة ليبيا الجنوبيين، وثانيهما معضلية وتتمثل في أن لكليهما امتدادات اجتماعية خارج الحدود الليبية. والنقطة الاخيرة قد تكون عنصر إقلال محلي وعامل تدخل خارجي. إلقاء الثقل عليهما ليس حلاً ولا عدلا بل هي مسألة وطنية عليا واجبة المعالجة التوافقية الموازنة لحقوقهما وواجباتهما، وبالأخص عند طعن البعض غير العارف أو المغرض في ليبيتهم.

– وضع فزان والجنوب خطر قد يضيع معه الجنوب بدون انتباهنا. فبصراحة مؤلمة، ان الجنوب مهمل ومستغل من الشمال ومن قبل بعض ابنائه.
ومن ذلك الاستغلال السياسي السلبي لخصوصيته ووضعه وظروفه من بعض الموتورين والطامحين والمقامرين السياسيين في حلبة السلطة والمال.
مع اعتبار الأجندات الأجنبية التاريخية والمستجدة.

3- طرابلس:
– هي أكبر أقاليم ليبيا سكانا بـ 4.250 مليون تقديرا، اي حوالي ثلثي سكان ليبيا في رقعة تقدر بـ 20% من مساحة ليييا، واغلب حدودها البرية مع تونس بـ 12 مليون نسمة. وتقع العاصمة في إقليمها مستوعبة ثلث السكان من كل ليبيا.

– طرابلس هي الأقل موارداً نفطية ومائية جوفية حسب المكتشف المستخدم، إلا أنها الأقل تعرضاً للضغوط الديمغرافية الجوارية الخارجية.

– ظاهرياً، طرابلس هي الاقل قبلية من برقة وفزان، إلا أن التنافس بين حواضرها الريفية شبه المدينية شديدة (لعدم وجود مصطلحات الريف والبلدة والقرية في اللهجة الدراجة الليبية حيث يتم استخدام مصطلح القبيلة، وكمثال ان لفظة “تيمورا” في الامازيغية يعني البلدة او القرية ولكنه يترجم أحياناً في بعض الاستخدامات إلى قبيلة مع تداخل بالبلدة)

– هذا التنافس بين الحواضر الريفية شبه المدينية يحيط بطرابلس المدينة كقوس شرقي وجنوب شرقي، وقوس غربي وجنوبي. وقد استغل الحكام المتناوبين منذ العثمانيين والقرمانلين والطليان والعهد الملكي والحقبة القذافية ذلك عبر “سياسة فرق تحكم”، هذا التنافر كان تصادمي أحياناً وفي احيان اكثر تنافسي.

– كانت هناك محاولة جديرة بالدراسة لتجاوز التنافر المزمن، قادها شيخ ترهونة احمد المريض، في عشرينيات القرن الماضي، عبر مؤتمر غريان وقيادته للهيئة الإصلاح، في محاولة جادة لمعالجة انفلات صدامات أهلية حينها بين مكونات اقليم طرابلس، إلا أن شراسة الموسولينية الفاشستية بعد انتصار إيطاليا في الحرب العالمية الاولى أجهضت ذلك بحملة غراتسياني التي أنهاها باحتلال كل ليبيا.

– وقد بالغ القذافي بدهاء منقطع المكر في توظيف والتلاعب بذلك الإرث في تمديد ودعم حكمه.

– بعد سكوت وانسحاب مدافع حفتر وخمود دخانها وغبارها ورمادها، فرصة اقليم طرابلس في استعادة الوئام كبيرة تدريجيا، لعاملين هما دافع التعامل والتشارك الاقتصادي، وقدرة مدينة طرابلس بتنوعاتها وتعددها وتسامحها الثقافي والاجتماعي ان بوتقة/ وعاء الانصهار والاندماج (Melting pot). في حين ان بنغازي المعروفة براسخة ترحيبها وضمها للتنوع (لدرجة عرفت بـ”رباية الدائح”/ اي حاضنة الغريب) فلقد ضرب حفتر ذلك في مقتل، ستقوم بنغازي منه كطائر الفينيق، بوعي وقرار حكماء برقة.

4- اضافة تسري وتصلح في الأقاليم الثلاث:

– العقيد القذافي، رغم كل إرثه السلطوي الثقيل كان له خط احمر وطني بإدارة ذلك التنافر ومنع انفلاته لصراعات عنيفة حتى خلال ثورة فبراير، ولكنه حتى في ذلك الحين وان استخدم التنوع سلبيا إلا انه للتاريخ احجم ومنع التوظيف والتجييش الإعلامي لحد معين لم يتجاوزه. فالقذافي خلال الأربع عقود لم يلعب ويقامر بخريطة السيادة والوحدة الترابية، وحتى في موضوع أوزو خسره بحكم دولي.

– في حين ان المشير حفتر لم يحجم بل تمادى في استغلال التنوع المجتمعي (حضر، قبائل، هويات، أقاليم، طبقيات اجتماعية، اختلافات سياسية وأيديولوجية، انتماءات سبمتبرية وفبرايرية) لدرجة استخدامها بفجاجة وعجرفة كسلاح ووقود وضحايا حرب. لا مستوجب للتدليل بأمثلة لانها معروفة، واستحضارها مؤذي ولا يفيد. مع أسبقية فتحه لباب التدخلات الخارجية السرية الفحوى ومعروفة المظهر.

خلاصة بعد التفصيل المختصر لدى البعض والطويل عند البعض الاخر، وجب علينا كليبيين ان ننتبه جداً جداً من ألاعيب مهووسي الحكم وساديّ الانتقام وهواة السلطة وجشعي الغنيمة الليبيين، الذين تتقاطع أدوارهم ومصالحهم وسلوكياتهم مع المخربين والطامعين والمخططين الإقليميين والدوليين، فالتاريخ يكرر نفسه عند توفر الفرص والظروف، ولسنا اول الامم المندثرة ولا اخرها.

فهكذا فنحن في مرحلة مفصلية نكون نحن البضاعة والسلعة في صفقة قرن، يساوم فيها شاري يمتلكنا ويحوز ارض وطننا، وبائع يعد النقود ويضحك علينا وبنا، والسمسار والمفاوض منا.

نقطة أخيرة، وبعد اتضاح مخرجات البرنامج الحفتري الرهيب، فالسؤال لمتشددي سبتمبر ان يراجعوا أنفسهم، ولو بالعودة لسيرة قائدهم بدلا من اتباع مسار من يخالفه، وان يراعو شعبهم وليس في اعمار بعضنا الكثير.

ملاحظة وبوضوح وصراحة: الإدراج ليس موجه للدهماء الغوغاء المجندين والمجيشين نفسيا.

 

وسوم:

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.