الرئيسية مقالات عبدالقادر أبوشناف يكتب … ” استراتيجية الأمم المتحدة مع الأزمة الليبية , وتعيين معبوث جديد “

عبدالقادر أبوشناف يكتب … ” استراتيجية الأمم المتحدة مع الأزمة الليبية , وتعيين معبوث جديد “

الخميس 12 مارس 2020 - 5:04 م

بعد استقالة ممثله الخاص في ليبيا غسان سلامة، يسعى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غويرتيش إلى محاولة إنعاش المسارات الأممية الأخيرة، وإنقاذها حيث تشير الأنباء إلى أنه يسعى إلى تعيين الدبلوماسي الجزائري رمضان لعمامرة مبعوثا جديداً لليبيا.

ليبيا التي أصبحت فيها فرص الحلول السياسية ضئيلة، في ظل تمسك الأطراف بالخيار العسكري خصوصا بعد خروج القرار من أيدي الأطراف الداخلية إلى اللاعبين الدوليين، فالليبيون البسطاء يأملون في أن تسرع الأمم المتحدة من تحركاتها، لتعزيز فرص السلام ،وحتى لا تُستغل حالة الفراغ ،والجمود الأممي من قبل القوى الخارجية فالكل يأمل أن تنجح البعثة عبر المسار العسكري من خلال تحويل هذه الهدنة الهشة إلى هدنة دائمة تتوقف على ضوئها العمليات العسكرية،  فلا يخفى على أحد أن عملية السلام في البلاد دخلت في حالة موت سريري منذ الرابع من أبريل العام الماضي، بعد أن أطلقت أول رصاصة في هذه الحرب.

 

عمل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة على إيجاد أرضية مناسبة تجتمع عليها الأطراف المحلية والدولية ولكنه استقال بشكلٍ مفاجئ فعلى ما يبدو أن غسان سلامة عيل صبره، و اختار الانسحاب والقاء المنديل بعد أن يئس من جمع الأطراف المعنية في ليبيا لكنه مهد الطريق لخليفته فقد عمل جاهدا حتى صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510 الذي يمهد الطريق للمبعوث الجديد.

 

تولى المبعوث الأممي المقترح رمضان لعمامرة عددا من المناصب العليا في الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، فقد شغل منصب مفوض مجلس الأمن والسلم الإفريقي لدورتين ما بين عامين (2008-2013) وشارك في حل عدد من الأزمات التي اندلعت في كثير من الدول الأفريقية، فقد تم تعيينه مبعوثا أمميا إلى ليبيريا في عام 2003 ونجح في إقناع الأطراف المتحاربة بإلقاء السلاح، وإنهاء الحرب الأهلية ولم تتوقف نجاحاته في الوساطة الدولية في ليبيريا بل توصل أيضا في عام  2016 إلى إقناع الأطراف المتصارعة في مالي بالتوقيع على اتفاق المصالحة،‬‬

كما نجح لعمامرة كمبعوث أفريقي في عقد اتفاق بين الحكومة والمعارضة في مدغشقر عام 2018 الذي توصل فيه المتخالفون إلى إجراء انتخابات رئاسية أنهت الأزمة ،وكانت هذه النجاحات امتدادا لسيرته الدبلوماسية الداخلية، فقد  تولى عددا من المناصب الدبلوماسية في بلاده منها مندوب للجزائر في الأمم المتحدة كما أنه عين سفيرا لعدد من الدول أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، و شغل أيضا منصب وزير الخارجية، وها هو رمضان لعمامرة في اختبار جديد فشل فيه ستة مبعوثين من قبله في بلد عربي إفريقي مجاور، ولا أستبعد أن يمرر مجلس الأمن طلب الأمين العام، فالمبعوث المقترح يحظى بعلاقات جيدة في أروقة الأمم المتحدة التي عين فيها مؤخرا كأحد أعضاء  المجلس الاستشاري الجديد رفيع المستوى، والمختص في الوساطة الدولية، كما أنه يشغل آنيا منصب الممثل السامي لرئيس الاتحاد الإفريقي لمشروع “إسكات البنادق في أفريقيا” .

هذه المعطيات تجعل من حظوظ لعمامرة قوية فللرجل مثل ما أسلفت تاريخا حافلا، وعلاقات مميزة، ونجاحات في حل عدد من الملفات الدولية ولا استبعد ان تلقى الدبلوماسية الجزائرية ثقلها لتمكينه.

وقبل اقتراح لعمامرة لهذا المنصب كانت هناك تحركات دولية وإقليمية ولعل أبرزها التحركات الجزائرية، التي كانت تسعى لإنضاج حل سياسي في ليبيا  ،فعلى الصعيد الجزائري زار وزير الخارجية الجزائري الأطراف الليبية على حد سواء ، بل واستقبلها أيضا في الجزائر ،كما أن الجزائر كانت حاضرة في مؤتمر برلين  بعد صعود الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون كما استقبلت الجزائر أبرز اللاعبين على الصعيدين الإقليمي والدولي في الأزمة الليبية، ونذكر عددا منها وهي زيارة الرئيس التركي ،وزيارة وزير الخارجية الإماراتي، وأيضا وزير الخارجية الألماني، والمصري، والفرنسي، وأيضا زيارة أمير قطر، ولا ننسى زيارة الرئيس الجزائري إلى السعودية والزيارات الخارجية الجزائرية لعدد من عواصم الدول كما و احتضنت العاصمة الجزائرية بعد مؤتمر برلين اجتماعا لدول الجوار الليبي، فلا أستبعد أن ترحب الأطراف الدولية، والإقليمية، والليبية أيضا بتعيين لعمامرة إذا ما وافق عليه مجلس الأمن.

 

وبالعودة إلى الحديث عن المبعوث الأممي الجديد ومهمته، نجد أن كل المؤشرات تفيد بأن المبعوث الجزائري المقترح ذو بال طويل، ويميل إلى الأخذ بعناصر متعددة في المفاوضات، وإشراك قوى غير السياسية والعسكرية  في المجتمع مثل القبائل، والأطراف المدنية، وهذا ما عمل عليه المبعوث الأممي السابق، ولكنه فشل في أن يصل إليه في ملتقى غدامس الذي قوض بسبب العمليات العسكرية على طرابلس .

فطريق السلام لن يكون مفروشا بالورود أمام المبعوث الأممي الجديد سواء كان لعمامرة أو غيره، فعلى سبيل المثال  معسكر الوفاق دائما ما يجعل شروطه تبدأ من عودة القوات المهاجمة إلى ما قبل الرابع من أبريل، و بالاحتكام إلى المرجعيات، والقرارات الدولية التي تؤكد شرعية المجلس الرئاسي ،كأساس للدخول في أية مفاوضات، وهذا ما يرفضه معسكر الكرامة، إضافة إلى جملة هذه التعقيدات المحلية فإن القرار لم يعد ليبياً، فدور الأطراف الداخلية أصبح  يتآكل كل يوم مقابل ارتفاع دور الفاعلين الدوليين، والإقليميين فتحرك روسيا في الملف الليبي على إيقاع الملف السوري هو إحدى الاستدلالات على أن البلاد قد انتقلت أخيرا إلى منطقة مساومات الكبار، أي إرهاصات لعبة الأمم حيث التسويات مختلفة، وبعيدة عن أولويات الأطراف المحلية.

يبقى رمضان لعمامرة المبعوث الجديد إلى ليبيا الوسيط الأممي السابع إلى هذه الجغرافيا التي مزقتها الحرب، والصراعات، والمماحكات السياسية ، بل وأصبحت  مسرحا لصراعات القوى الخارجية المتداخلة، وسيكون الممثل الأممي الجديد سواء أكان لعمامرة أو غيره أمام اختبار قديم متجدد في واقع يزداد غموضا، وتعقيدا يوما بعد يوم، واقعا افرزته تعنت الأطراف الداخلية، وتمرد الأطراف الإقليمية على قرارات

عبدالقادر ابوشناف | كاتب وصحفي

 

وسوم:

اضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.